إصلاح النظام المصرفي في سوريا: التحديات والآفاق بعد رفع العقوبات

بوابة الأعمال السورية – دمشق، 10 حزيران 2025
مع رفع العقوبات الغربية وإعادة تفعيل نظام SWIFT مطلع عام 2025، بدأ النظام المصرفي السوري يدخل مرحلة مفصلية جديدة. إذ تحوّلت الإصلاحات المصرفية إلى أحد المرتكزات الأساسية في استراتيجية إعادة الإعمار وتحفيز النمو الاقتصادي في سوريا ما بعد الحرب.
هذا التحليل يسلط الضوء على واقع النظام المصرفي السوري، الإنجازات المحققة، التحديات العميقة، والفرص المستقبلية، في إطار محاولة استعادة الثقة وربط الاقتصاد السوري مجددًا بالمنظومة المالية العالمية.
🏚️ أولًا – خلفية: سنوات من العزلة والانكماش
خلال سنوات الصراع، عانى القطاع المصرفي من:
- عزلة تامة عن النظام المالي العالمي بعد قطع الاتصال بمنظومة SWIFT
- نقص حاد في السيولة نتيجة تراجع التحويلات وتحول السوق إلى النقدية
- تآكل ثقة المواطنين، ولجوء كثير منهم لتخزين الأموال خارج البنوك
- توقف معظم القروض والاستثمارات، وركود في تمويل القطاعات الإنتاجية
بحلول عام 2023، انخفضت تحويلات المغتربين – التي كانت تمثل أكثر من 20% من الناتج المحلي – إلى أقل من 5%، مما زاد من هشاشة النظام المالي.
🏗️ ثانيًا – الإنجازات: مؤشرات أولية على التعافي
مع رفع العقوبات وإعادة تفعيل SWIFT، أطلقت الحكومة السورية، بالتعاون مع البنك المركزي، خطة إصلاح مصرفي طموحة تضمنت:
- زيادة تدفقات النقد الأجنبي بنسبة 35% خلال النصف الأول من 2025
- توفير قروض بقيمة 15 مليار ليرة للشركات الصغيرة والمتوسطة
- توسيع الشمول المالي بنسبة 20% في المناطق الحضرية
- إطلاق خدمات دفع إلكتروني حديثة عبر البنوك مثل مصرف التوفير وسوريا الدولي الإسلامي
- استقرار نسبي في سعر صرف الليرة عند حدود 10,000 ليرة مقابل الدولار، انخفاضًا من 15,000 في 2024
كما بدأت مفاوضات مع مستثمرين دوليين من الصين وروسيا لافتتاح فروع مصرفية مشتركة، ما يعزز الثقة بالقطاع على المدى الطويل.
⚠️ ثالثًا – التحديات: هشاشة هيكلية وثقة مفقودة
رغم هذا التحسن، لا تزال هناك تحديات عميقة تهدد استدامة الإصلاح:
1. ضعف رأس المال المصرفي
البنوك تحتاج إلى نحو 5 مليارات دولار لإعادة الهيكلة وتعويض الخسائر المتراكمة.
2. الفساد في منح القروض
تظهر تقارير عن تمييز شركات محسوبة على مسؤولين حكوميين، مما يقوض الشفافية.
3. نقص الكوادر المؤهلة
يعاني القطاع من ضعف في المهارات التقنية والإدارية، مما يعوق تطبيق تقنيات مصرفية حديثة.
4. فقدان ثقة المواطنين
أقل من 30% من السوريين يملكون حسابات مصرفية اليوم، مقارنة بـ 50% قبل الحرب.
5. خطر الاعتماد على التمويل الأجنبي
قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع مديونية الدولة ما لم يُدار ضمن أطر مالية صارمة.
🌍 رابعًا – الفرص: نظام مصرفي جديد لجيل جديد
تمثل مرحلة ما بعد العقوبات فرصة ذهبية لـ إعادة بناء النظام المصرفي السوري على أسس أكثر كفاءة وشفافية:
- نقل التكنولوجيا عبر شراكات مع البنوك الدولية
- استهداف الشباب (60% من السكان) عبر تقنيات دفع رقمية متقدمة
- توجيه التمويل للقطاعات الإنتاجية (صناعة، زراعة) لخلق فرص عمل
- تحسين الحوكمة المصرفية عبر إنشاء هيئة رقابية مستقلة
- سن تشريعات لحماية الودائع وتحفيز المواطنين على إعادة الأموال إلى البنوك
✅ خامسًا – التوصيات والاستنتاجات
يمثل إصلاح القطاع المصرفي حجر الزاوية في مسيرة إعادة الإعمار والتنمية في سوريا. لكن لضمان نجاح هذا المسار، لا بد من:
- تعزيز الشفافية والحوكمة عبر هيئات مستقلة للتنظيم والرقابة
- إطلاق برامج تدريب مكثفة لتطوير كوادر مصرفية مؤهلة
- تأسيس صندوق ضمان ودائع لإعادة بناء ثقة المواطنين
- إدارة القروض الأجنبية بشكل مسؤول لتجنب مديونية مفرطة
- تشجيع الابتكار الرقمي لجذب الجيل الشاب وتحقيق شمول مالي واسع
إذا ما نُفذت هذه السياسات بعناية، يمكن أن يتحول النظام المصرفي السوري من أحد ضحايا الصراع إلى قاطرة للتعافي الاقتصادي وداعم أساسي للاستقرار المالي والاجتماعي في البلاد.