إعادة الإعمار وتحديات النمو الاقتصادي الكلي في سوريا: فرصة واختبار

بوابة الأعمال السورية – 25 حزيران 2025
مع بدء رفع العقوبات الدولية عن سوريا في مطلع عام 2025، دخل الاقتصاد السوري مرحلة جديدة محورية تمثّلت في انطلاق مشاريع إعادة الإعمار، والتي يُنظر إليها كرافعة أساسية لتحقيق نمو اقتصادي شامل ومستدام.
هذا التحليل يستعرض التحديات البنيوية والفرص الاقتصادية التي تفرضها هذه المرحلة، مركّزًا على أدوار الاستثمار الأجنبي والسياسات الحكومية في صياغة مستقبل الاقتصاد الكلي السوري.
🏚️ الخلفية: دمار واسع وتكلفة تتجاوز الموارد المحلية
أسفرت سنوات النزاع الممتد عن دمار هائل في البنية التحتية، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 50% من المرافق العامة — من مصانع وطرق ومحطات طاقة — تعرضت للضرر أو التدمير الكلي.
وتُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بحوالي 400 مليار دولار، وهو رقم يتجاوز بكثير القدرة التمويلية للحكومة السورية في الوقت الراهن.
إعادة تفعيل نظام SWIFT المالي، إلى جانب رفع جزئي للعقوبات الغربية، شكّلا نافذة لدخول استثمارات أجنبية من دول حليفة مثل الصين وروسيا.
لكن هذه التدفقات المالية تأتي مشروطة بتفاهمات سياسية واقتصادية قد تقيّد الاستقلالية السيادية مستقبلاً.
🧱 التحليل: فرص نمو تقابلها مخاطر هيكلية
🔹 نمو في قطاع البناء وتراجع طفيف في البطالة
في الربع الأول من عام 2025، شهد قطاع البناء انتعاشًا لافتًا، مسجّلًا نموًا بنسبة 15% بفعل إطلاق مشاريع لإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والبنى الأساسية.
وساهم هذا النشاط في خفض معدلات البطالة بشكل طفيف، إلا أن التحديات في سوق العمل لا تزال قائمة، وعلى رأسها فجوة المهارات المهنية.
🔹 قيود تمويلية ومخاطر فساد
رغم تحسن البيئة المصرفية بعد عودة الاتصال بالنظام المالي العالمي، إلا أن البنوك السورية ما تزال تعاني من ضعف السيولة، مما يحد من قدرتها على تمويل مشاريع القطاع الخاص محليًا.
ويُضاف إلى ذلك الفساد المؤسسي، الذي يشكّل تهديدًا مباشرًا لكفاءة تخصيص الموارد، ويقلّص من الأثر التنموي للاستثمارات المتدفقة.
🔹 الدين الخارجي: خطر كامن
الاعتماد الكبير على التمويل الأجنبي يزيد من احتمالات ارتفاع الدين الخارجي، وهو ما قد يفرض أعباءً طويلة الأجل على المالية العامة، ما لم تُدار هذه التدفقات ضمن رؤية تنموية واضحة وتخضع لرقابة مؤسسية صارمة.
🔹 الحاجة إلى بنية تشريعية داعمة
تتطلب المرحلة الحالية إصلاحًا عميقًا في البيئة القانونية والتنظيمية، بدءًا من تحديث قوانين الاستثمار، مرورًا بتبسيط إجراءات التراخيص، ووصولًا إلى ضمان استقلالية القضاء الاقتصادي.
بدون هذه التهيئة، تبقى بيئة الأعمال طاردة للمستثمرين المحتملين، حتى في ظل توفر رؤوس الأموال.
🧭 الاستنتاجات: فرصة تاريخية مشروطة بالإصلاح
تمثل إعادة الإعمار فرصة استراتيجية للنهوض بالاقتصاد السوري، لكنها فرصة محفوفة بالمخاطر ما لم تترافق مع إصلاحات حقيقية.
🔹 التوصيات الأساسية:
- تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص لرفع كفاءة التنفيذ.
- تحويل التركيز نحو القطاعات الإنتاجية، وخاصة الصناعة والزراعة، لتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.
- إطلاق برامج تدريب مهني متقدمة لسد فجوة المهارات وتمكين الشباب من دخول سوق العمل.
- مكافحة الفساد وإصلاح الإدارة العامة، باعتبارهما حجر الأساس لأي تحول اقتصادي مستدام.
⚠️ خاتمة:
إعادة الإعمار ليست مجرد عملية هندسية، بل هي اختبار اقتصادي وسياسي للدولة السورية.
فإما أن تُدار كفرصة استراتيجية لإعادة بناء اقتصاد متماسك، أو أن تتحول إلى عبء إضافي يعمّق اختلالات النظام الاقتصادي.
الاختيار مرهون بالإرادة السياسية والحوكمة الرشيدة.