إنعاش القطاع الزراعي في سوريا 2025 في ظل تحديات شح المياه

دمشق،يوليو 2025
مقدمة
يُعد القطاع الزراعي السوري من أبرز ركائز الاقتصاد الوطني، حيث كان يسهم قبل عام 2011 بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، ويوفّر سبل العيش لشريحة واسعة من السكان. ومع بروز مرحلة من الاستقرار السياسي عقب ديسمبر 2024، تجددت الجهود لإحياء هذا القطاع الحيوي في إطار دعم الأمن الغذائي الوطني وتعزيز النشاط الاقتصادي.
إلا أن شح الموارد المائية وتراجع البنية التحتية الزراعية يشكلان عقبتين رئيسيتين أمام هذا المسار، في ظل تغيرات مناخية إقليمية وصراعات مائية مع دول الجوار. يهدف هذا التقرير إلى تحليل هذه التحديات واستعراض أبرز الاستراتيجيات الوطنية والدولية المتبعة لإنعاش الزراعة السورية في عام 2025.
أولًا: تحديات شح المياه وتأثيرها على الزراعة
1. تراجع معدلات الهطول المطري
تشهد سوريا منذ أكثر من عقد تراجعًا حادًا في معدلات الهطول المطري، ما أدى إلى انكماش المساحات المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير. وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن الجفاف في بعض المناطق قلّص الإنتاج الزراعي بنسبة تتراوح بين 30-40%.
2. تضرر أنظمة الري والسدود
أدّت الحرب إلى تدمير أكثر من 50% من شبكات الري والسدود، لا سيما في سهل الغاب، حوران، ومناطق الجزيرة السورية. كما ساهمت النزاعات المائية مع دول المنبع، خاصة تركيا، في خفض حصة سوريا من نهر الفرات، ما انعكس مباشرة على قدرات الري.
3. ارتفاع تكاليف الري والوقود
في ظل اعتماد آلاف المزارعين على مضخات تعمل بالوقود، تسبب انهيار الليرة السورية (من 45 إلى 15000 ليرة للدولار) بارتفاع تكلفة التشغيل، مما جعل الري غير مجدٍ اقتصاديًا خاصة للمزارعين الصغار في المناطق البعلية.
4. خسائر تراكمية في القطاع الزراعي
قدّرت FAO حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع الزراعي السوري خلال فترة الحرب بـنحو 16 مليار دولار، تشمل الأراضي الزراعية، المعدات، وهجرة اليد العاملة، مما ساهم في تراجع الإنتاجية وارتفاع معدلات الفقر الريفي.
ثانيًا: الجهود الحالية لإنعاش القطاع الزراعي
- دعم تقني ومادي من المنظمات الدولية
تقدم منظمات مثل FAO وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) مساعدات تشمل بذورًا محسنة، أسمدة، وتدريبًا على تقنيات ري موفرة للمياه. - مشاريع وطنية لإعادة التأهيل
أطلقت الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص مشاريع لإصلاح قنوات الري وبناء سدود صغيرة في مناطق حيوية كالغاب وحمص وريف دمشق. - تحرك دبلوماسي لضمان الحصص المائية
تُجري السلطات مفاوضات لإعادة صياغة الاتفاقيات المائية مع دول الجوار لضمان حقوق سوريا في مياه نهر الفرات وروافده. - برامج دعم موجهة للمزارعين
يوفّر الصندوق السوري للاستثمار قروضًا ميسّرة لشراء المعدات الزراعية وتنفيذ مشاريع ري حديثة في المناطق المتضررة.
ثالثًا: استراتيجيات مقترحة لإنعاش الزراعة في ظل شح المياه
1. تطوير نظم ري حديثة وموفرة للمياه
- تعزيز استخدام الري بالتنقيط: لتقليل استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50%، خاصة في المحاصيل ذات العائد العالي.
- حصاد مياه الأمطار: إنشاء خزانات ومصاطب لتجميع المياه في المناطق البعلية.
2. تحسين إدارة الموارد المائية
- تأهيل السدود الصغيرة والمتوسطة: لرفع كفاءة تخزين المياه.
- ضبط استنزاف المياه الجوفية: من خلال تشريعات صارمة وتحفيز الممارسات المستدامة.
3. دعم المزارعين وتحديث معارفهم
- برامج تدريب مهنية: بالتعاون مع منظمات دولية لتعليم تقنيات الزراعة الذكية والتكيف مع تغيرات المناخ.
- قروض تحفيزية للمزارعين: لتشجيع الاستثمار في الري الحديث والمعدات المستدامة.
4. تعزيز القيمة المضافة للمنتجات الزراعية
- دعم الصناعات التحويلية الريفية: كمصانع الألبان، الزيوت، والمجففات لتقليل الفاقد وزيادة الدخل.
- تشجيع التصدير الزراعي: عبر تطوير سلاسل القيمة ومنح شهادات جودة عالمية (ISO، HACCP).
رابعًا: توصيات استراتيجية
- ✅ تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية
- توسيع الشراكات مع FAO، WFP، البنك الدولي، لدعم مشاريع الري والبنية الزراعية.
- ✅ تحفيز الاستثمار الخاص
- تقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع الزراعية والري الحديث والصناعات الغذائية.
- ✅ تبني استراتيجية وطنية للمياه
- تطوير خطة شاملة لإدارة الموارد المائية، تشمل السياسات، الحصص، والتوزيع العادل.
- ✅ رفع الوعي لدى المزارعين
- إطلاق حملات توعية حول الزراعة المستدامة، وإدارة المياه، والاقتصاد الزراعي الأخضر.
خاتمة
رغم التحديات الجسيمة، يظل القطاع الزراعي السوري أحد مفاتيح التعافي الاقتصادي، بشرط اعتماد حلول مبتكرة ومستدامة لمشكلة شح المياه. إن الجمع بين الدعم الدولي، الإصلاحات الوطنية، وتحديث البنية التحتية يمكن أن يُعيد الزراعة السورية إلى دورها التقليدي كمصدر استراتيجي للغذاء والتنمية الريفية.
تُشكّل بوابة الأعمال السورية منصة مهمة لنقل هذه الرؤية، وتشجيع الفاعلين المحليين والدوليين على المساهمة في تطوير القطاع الزراعي ضمن إطار شامل ومستدام.