تحديات إعادة تشغيل المصانع المتضررة من الحرب في سوريا (2025)

دمشق،يوليو 2025
مقدمة
مع التحول السياسي الكبير الذي شهدته سوريا بعد ديسمبر 2024، وبدء مرحلة جديدة من الاستقرار، برزت الصناعات التحويلية كأحد المحركات الأساسية لإعادة الإعمار وتحفيز النمو الاقتصادي. ويشمل هذا القطاع صناعات متنوعة مثل الصناعات الغذائية، النسيجية، الكيميائية، والهندسية، مما يجعله من أكثر القطاعات حيوية واستراتيجية في هذه المرحلة.
يهدف هذا التقرير إلى تقديم قراءة تحليلية شاملة لواقع الصناعات التحويلية في سوريا لعام 2025، بالاعتماد على البيانات المتاحة ورصد التطورات الميدانية، مع تسليط الضوء على الإنجازات، التحديات، والفرص المستقبلية.
أولًا: أبرز الإنجازات
- تزايد المشاريع الصناعية الجديدة
خلال النصف الأول من عام 2025، تم ترخيص أكثر من 1336 مشروعًا صناعيًا وحرفيًا بإجمالي استثمارات تجاوزت 157 مليون دولار، وفقًا لغرفة صناعة دمشق. توزعت هذه المشاريع بين إعادة تأهيل منشآت قائمة وإنشاء خطوط إنتاج جديدة، لا سيما ضمن المدن الصناعية في عدرا وحسياء. - دور الصندوق السوري للاستثمار
أسهم الصندوق في تمويل عدة مشاريع استراتيجية، مع إعطاء أولوية للصناعات الغذائية والنسيجية نظرًا لفرصها التصديرية الواعدة، ومساهمتها في الأمن الغذائي. - عودة الكفاءات الصناعية
شهد القطاع عودة نسبية للكوادر الفنية والعمالة الماهرة التي غادرت البلاد خلال سنوات النزاع، مما انعكس إيجابًا على جودة الإنتاج ورفع كفاءة العمليات الصناعية. - انتعاش الصادرات الصناعية
استأنفت الصناعات الغذائية (مثل زيت الزيتون، الحلويات) والنسيجية (الملابس القطنية) اختراقها للأسواق الإقليمية، مع توقيع اتفاقيات تجارية مع دول مثل إيران وبيلاروسيا.
ثانيًا: التحديات القائمة
- أزمة الطاقة والكهرباء
يعاني القطاع من انقطاعات مزمنة في التيار الكهربائي نتيجة تضرر أكثر من 59 محطة تحويل، بتكلفة تقديرية لإعادة التأهيل تصل إلى 40 مليار دولار، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف التشغيل وضعف الإنتاجية. - ضعف البنية التحتية اللوجستية
أدى تضرر شبكات النقل والطرقات إلى صعوبات في إيصال المواد الخام والمنتجات النهائية، وزيادة كلفة الخدمات اللوجستية على الشركات. - ارتفاع تكاليف الإنتاج
الانهيار الحاد في سعر صرف الليرة السورية (من 45 إلى أكثر من 15000 مقابل الدولار) رفع تكلفة استيراد المواد الخام، مما أثر بشدة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. - محدودية الوصول إلى التمويل
بالرغم من جهود الصندوق الوطني وبعض المبادرات المحلية، لا يزال الوصول إلى التمويل الميسر والاستثمار الأجنبي المباشر محدودًا.
ثالثًا: فرص التطوير المتاحة
- تعزيز الشراكات الدولية
يمكن لسوريا الاستفادة من تعاون مع دول صديقة ومنظمات تنموية (مثل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية – UNIDO) لتحديث خطوط الإنتاج وتأهيل المصانع. - التوسع في الصناعات التصديرية
تطوير برامج للحصول على شهادات الجودة الدولية مثل ISO وHACCP، مما يعزز قدرة المنتجات السورية على الدخول إلى الأسواق العالمية التنافسية. - الاستثمار في حلول الطاقة البديلة
الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يمكن أن يخفف من أزمة الكهرباء، ويخفض تكاليف التشغيل على المدى الطويل. - برامج تدريب وتأهيل مهني
إطلاق مبادرات تدريب مهني بالتعاون بين القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية لردم الفجوة في المهارات، ورفع الجاهزية التقنية للعمال.
رابعًا: توصيات استراتيجية
- تسريع إصلاح قطاع الطاقة
عبر شراكات من نوع (PPP) مع مستثمرين محليين ودوليين لإعادة تأهيل محطات الكهرباء وضمان استقرار الإمداد للطاقة. - دعم التمويل الصناعي
تأسيس برامج تمويل ميسّرة تستهدف الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالشراكة مع بنوك تنموية ومؤسسات تمويل دولية. - تنشيط التصدير
إعداد حملات ترويجية دولية موجهة للمنتجات السورية، وخاصة ذات القيمة المضافة العالية، وربطها بالأسواق المحتملة. - إعادة هيكلة المدن الصناعية
تحويل مدينتي عدرا وحسياء إلى مراكز صناعية حديثة متكاملة من حيث البنية التحتية، الخدمات، والتقنيات.
خاتمة
تمر الصناعات التحويلية في سوريا بمرحلة مفصلية، تتسم بتداخل الفرص الطموحة مع التحديات المعقدة. ورغم الظروف الاقتصادية الضاغطة، فإن هذا القطاع يظل من الركائز الأساسية لتعافي الاقتصاد السوري واستعادة عافيته.
من خلال تبني سياسات صناعية متقدمة، وتوسيع آفاق التعاون الدولي، وتعزيز البيئة الداعمة للإنتاج، يمكن للصناعات التحويلية أن تقود التحول الاقتصادي في سوريا خلال السنوات المقبلة.
وتُشكّل بوابة الأعمال السورية منصة استراتيجية لعرض هذه التحليلات، وبناء جسر تواصل بين الجهات الصناعية والمستثمرين المحليين والدوليين، بما يخدم أهداف التنمية المستدامة في البلاد.