تحليل زيارة الوفد السعودي إلى سوريا: دفعة اقتصادية أم إعادة تموضع إقليمي؟

دمشق – بوابة الأعمال السورية، 19 يوليو 2025
مقدمة
في 19 يوليو 2025، زار وفد من رجال الأعمال السعوديين سوريا، بقيادة محمد أبو نيان وسليمان المهيدب، في خطوة وُصفت بأنها محورية ضمن مسار إعادة تطبيع العلاقات بين دمشق والرياض. تأتي هذه الزيارة في لحظة فارقة، حيث تسعى سوريا بقيادة الرئيس أحمد الشرع إلى إنهاء العزلة الدولية، واستقطاب شركاء إقليميين لدفع عجلة إعادة الإعمار. هذا المقال يُحلل أبعاد الزيارة السعودية من زوايا اقتصادية وجيوسياسية، ويبحث في دلالاتها المستقبلية.
السياق الاقتصادي: فرص ما بعد رفع العقوبات
بعد أكثر من عقد من الحرب والعقوبات، يعيش الاقتصاد السوري حالة من الانكماش الشديد، مع بلوغ معدلات الفقر ما يفوق 90% من السكان، بحسب تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لكن قرار رفع العقوبات الغربية في مايو 2025، بضغط سعودي وتركي، أعاد فتح الباب أمام الاستثمارات الدولية، لا سيما الخليجية.
في هذا الإطار، تمثل الزيارة السعودية محاولة جدية للدخول المبكر إلى السوق السورية، خصوصًا في قطاعات تعتبرها المملكة استراتيجية، مثل:
- النفط والطاقة
- البنية التحتية
- الزراعة والتصنيع الغذائي
- الاتصالات والتكنولوجيا
لقاءات الوفد مع الرئيس الشرع ووزير الاقتصاد محمد نضال الشعار ركّزت على التأسيس لشراكات طويلة الأمد. وأشارت التصريحات السعودية إلى أن حجم الاستثمارات المرتقب قد يوازي أو يفوق استثمارات المملكة في أسواق إقليمية مستقرة، ما يُشير إلى رغبة حقيقية في أن تصبح سوريا مركزًا جديدًا للنفوذ الاقتصادي السعودي.
الأبعاد السياسية: إعادة تشكيل التوازن الإقليمي
الزيارة لم تكن اقتصادية فحسب، بل تعكس تحوّلًا استراتيجيًا في السياسة السعودية تجاه سوريا. فمنذ انهيار المحور الإيراني-الروسي داخل الأراضي السورية، برزت الرياض كوسيط رئيس في تطبيع دمشق مع الغرب، وداعم سياسي لرئيسها الجديد.
لقاء الرئيس الشرع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في فبراير 2025، ثم اللقاء اللافت مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو، كلّها إشارات إلى تحالفات جديدة تتشكل في المنطقة. ويبدو أن السعودية تسعى إلى رسم ملامح النظام الإقليمي ما بعد الحرب السورية، عبر أدوار اقتصادية وإنمائية مباشرة.
كما أن دعم السعودية للمفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، واحتمالات التطبيع المشروط التي ألمح إليها الشرع، تُظهر رغبة في إعادة تموضع سوريا ضمن محور إقليمي جديد أكثر اعتدالًا ومرونة.
تحديات قائمة: استقرار هش وبيئة استثمارية معقدة
رغم الاندفاعة الإيجابية، لا تخلو الأوضاع السورية من تحديات قد تقوّض الجهود الاستثمارية. أبرز هذه التحديات:
- عدم الاستقرار الأمني في بعض المناطق، وخاصة مع تصاعد التوترات الطائفية ضد الأقليات.
- وجود عناصر أجنبية في المشهد العسكري، لا سيما ضمن فصائل محسوبة على هيئة تحرير الشام، يثير قلقًا دوليًا.
- الفساد الإداري والبيروقراطية، ما قد يعيق دخول الاستثمارات رغم التطمينات الحكومية.
- الضغط الإسرائيلي المستمر عبر غارات جوية متكررة ضد مواقع داخل سوريا، في ظل رفضها القاطع لرفع العقوبات الغربية.
خاتمة: لحظة مفصلية لسوريا والمنطقة
تشكل زيارة الوفد السعودي إلى دمشق علامة فارقة في التحولات الإقليمية الجارية. فمن ناحية، تُعد فرصة اقتصادية ثمينة لسوريا ما بعد الحرب؛ ومن ناحية أخرى، تمثل رسالة سياسية واضحة مفادها أن المملكة العربية السعودية بصدد إعادة رسم خرائط النفوذ في المشرق العربي.
لكن يبقى مستقبل هذا التحول مرهونًا بقدرة الحكومة السورية على تقديم ضمانات فعلية للمستثمرين، وتحقيق توازن دقيق بين التحالفات الجديدة والمتغيرات الإقليمية الحساسة.


