تحليل قانون الاستثمار الجديد في المدن الصناعية في سوريا 2025: خطوة جريئة أم رهان محفوف بالتحديات؟

دمشق، 19 يوليو 2025
مقدمة تحليلية
أصدرت الحكومة السورية في 18 حزيران/يونيو 2025 نظامًا استثماريًا جديدًا خاصًا بالمدن الصناعية، في سياق جهودها لإعادة الإعمار وتحفيز النشاط الاقتصادي بعد سنوات من الصراع والعقوبات. القانون الجديد يُعد من أبرز المحاولات لإعادة توجيه بوصلة الاستثمار الصناعي في البلاد، عبر تقديم تسهيلات غير مسبوقة للمستثمرين، وتبنّي آليات إلكترونية وإجراءات تشريعية أكثر مرونة. في هذا المقال، نقدم قراءة تحليلية في خلفيات القانون، جدواه الاقتصادية، نقاط القوة والضعف، ومدى قدرته على تحقيق تحوّل حقيقي في المشهد الصناعي السوري.
أولًا: قراءة في دوافع إصدار النظام الجديد
تعكس بنود القانون الجديد استجابة مباشرة لجملة من التحديات التي تواجه البيئة الاستثمارية في سوريا، وعلى رأسها ضعف البنية التحتية، بطء الإجراءات، وهشاشة الثقة في الإطار القانوني والمؤسساتي. وقد استندت الحكومة في إعداد هذا النظام إلى عدة محفزات رئيسية:
- الرغبة في إعادة تدوير عجلة الإنتاج الصناعي كوسيلة فعالة لخلق فرص العمل.
- الحاجة إلى رؤوس أموال أجنبية ومحلية لتمويل مشاريع البنية التحتية ضمن المدن الصناعية.
- استثمار الموقع الجغرافي لسوريا كبوابة تجارية نحو الخليج وأوروبا.
- توجيه الاقتصاد نحو الصناعات التصديرية عالية القيمة.
ثانيًا: الملامح الجوهرية للقانون – خطوات متقدمة
يتضمن النظام حزمة من الحوافز التي تضعه – نظريًا – في موقع تنافسي إقليميًا. أبرز هذه الحوافز:
- الإعفاءات الجمركية والضريبية، مع ضمان حرية تحويل الأرباح.
- السماح بملكية كاملة للمشاريع من قبل المستثمرين الأجانب.
- إتمام الإجراءات إلكترونيًا بما في ذلك التراخيص والاكتتاب.
- آليات تحكيم واضحة لتقليص النزاعات القانونية.
- إمكانية دمج المقاسم لتشجيع التوسع في المشروعات الكبيرة.
- تخصيص أراضٍ غير مخدّمة بأسلوب المشاركة، وهو ما يعزز الاستفادة من المساحات غير المستثمرة.
هذه البنود تُظهر تحولًا نحو نهج اقتصادي أكثر مرونة وانفتاحًا على نماذج الشراكة والتنمية المستدامة، وهو أمر غاب طويلاً عن البيئة التشريعية السابقة.
ثالثًا: المكاسب المبكرة – مؤشرات أولية واعدة
في النصف الأول من عام 2025، تم تسجيل نتائج أولية مشجعة:
- ترخيص 1336 مشروعًا صناعيًا وحرفيًا بإجمالي استثمار بلغ 157 مليون دولار.
- دخول 9 مشاريع صناعية طور الإنتاج في مدن عدرا، حسياء، والشيخ نجار.
- توفير أكثر من 7600 فرصة عمل، مع تركيز ملحوظ على القطاعات الكيميائية، الغذائية، والهندسية.
- بدء دراسات لتوسيع المدن الصناعية، بما في ذلك مشروع محتمل في درعا وفق نموذج BOT.
هذه الأرقام تُعد مشجعة مقارنة بالأعوام السابقة، وتُظهر أن البيئة الاستثمارية بدأت تتنفس من جديد، خاصة في المناطق التي شهدت استقرارًا نسبيًا.
رابعًا: الفرص الكامنة – هل سوريا مستعدة لتكون مركزًا صناعيًا؟
من الناحية النظرية، يمتلك القانون الجديد القدرة على إعادة تموضع سوريا في خارطة الاستثمارات الصناعية في المنطقة، خاصة مع التوجه نحو صناعات استراتيجية مثل:
- الصناعات الدوائية والإلكترونية لتقليل التبعية للخارج.
- الصناعات التصديرية مثل النسيج والغذاء لإعادة تفعيل الميزان التجاري.
- استثمار الأراضي غير المستثمرة ضمن نماذج PPP وBOT، ما يوفر بدائل للتمويل التقليدي.
إضافة إلى ذلك، فإن التعاونات المحتملة مع شركات صينية وإيطالية تمثل إشارات إيجابية على انفتاح دولي متدرج على السوق السوري.
خامسًا: التحديات التي لا يمكن تجاهلها
رغم الإيجابيات، إلا أن النظام الاستثماري الجديد يواجه عقبات هيكلية لا تزال ماثلة:
- البنية التحتية غير الكافية، خاصة في قطاعات الطاقة والمياه والنقل.
- العقوبات الدولية التي تقيّد حركة التحويلات والتوريد.
- الاستقرار الأمني النسبي في بعض المناطق قد لا يكون كافيًا لإقناع المستثمرين بالمخاطرة.
- الحاجة إلى بيئة قانونية أكثر تطورًا وديناميكية لمواكبة الاستثمارات الكبرى.
- ضعف منظومة القضاء الإداري والتحكيم المحلي، ما قد يثير مخاوف بشأن فض النزاعات العادلة.
سادسًا: هل نحن أمام إصلاح بنيوي أم إصلاح ظرفي؟
يبقى السؤال المحوري: هل يمثل هذا القانون بداية إصلاح بنيوي طويل الأمد في بيئة الاستثمار السورية، أم هو إجراء ظرفي لتحفيز حركة اقتصادية محدودة؟
الجواب يعتمد على ما يلي:
- استمرارية التعديلات القانونية لتشمل كافة جوانب الاستثمار وليس فقط المدن الصناعية.
- قياس الأثر الفعلي على الأرض من حيث معدلات الإنتاج والتصدير خلال العامين القادمين.
- قدرة الدولة على تأمين البيئة اللوجستية والتشريعية الداعمة لهذا التحول.
خاتمة تحليلية
يشكّل النظام الاستثماري الجديد في المدن الصناعية خطوة جريئة ضمن سياق اقتصادي مضطرب، ويُظهر نوايا إصلاحية تستحق التقدير. لكنه لا يمكن أن يحقق أهدافه بالكامل دون إصلاحات متوازية في البنية التحتية، الإطار القانوني، والسياسات النقدية والمالية.
الفرصة حقيقية، لكنها تحتاج إلى عقلانية في التنفيذ، شراكات استراتيجية، واستقرار سياسي طويل الأمد. إن تم تحقيق هذه الشروط، قد نشهد تحوّلًا تدريجيًا في دور المدن الصناعية السورية كمحرك للنمو الصناعي في المنطقة خلال العقد القادم.