شركات طلال أبو غزالة في سوريا بين السيادة الوطنية ومتطلبات البيئة الاستثمارية

دمشق، 21 يوليو 2025
بتاريخ 21 يوليو/تموز 2025، أصدرت وزارة المالية السورية القرار رقم 1191/و، القاضي بإيقاف تجديد ترخيص شركة “طلال أبو غزالة وشركاه” في سوريا، استنادًا إلى تصريحات أدلى بها مؤسس المجموعة خلال مقابلة تلفزيونية، اعتُبرت مخالفة للمادة 49 من الإعلان الدستوري.
سمح القرار للشركة باستكمال عقودها السارية حتى نهاية العام 2025، مع حظر الدخول في تعاقدات جديدة للعام 2026، وتكليف المحاسب القانوني أحمد هيثم العجلاني بإدارة أعمال الشركة خلال هذه الفترة الانتقالية.
في هذا التحليل، نستعرض أبعاد القرار من منظور محايد، يوازن بين مقتضيات السيادة الوطنية ومتطلبات التنمية الاقتصادية، مع التركيز على المصلحة العليا لسوريا واقتصادها في هذه المرحلة الحساسة من إعادة البناء والانفتاح.
إيجابيات القرار
1. تعزيز السيادة الوطنية والامتثال الدستوري
يستند القرار إلى مادة دستورية واضحة تجرّم إنكار أو تبرير الجرائم المرتكبة في حق الشعب السوري. بهذا المعنى، يرسل القرار رسالة مفادها أن احترام السيادة الوطنية وخطاب الدولة الرسمي يُعد شرطًا أساسيًا للعمل في سوريا، لا سيما في المرحلة التي تسعى فيها البلاد إلى ترسيخ مؤسساتها الدستورية والقانونية بعد سنوات من الصراع.
2. الحفاظ على السردية الوطنية والوحدة الداخلية
في ظل المناخ السياسي والاجتماعي المعقّد، يمكن النظر إلى القرار كجزء من جهود الحكومة لضبط الخطاب العام وضمان عدم التشويش على الرواية الرسمية، وهو ما قد يساهم في تعزيز الانسجام الداخلي. مثل هذه الإجراءات قد تُطمئن شريحة من المواطنين الذين يرون أن بعض التصريحات تُسيء إلى تضحياتهم خلال السنوات الماضية.
3. وضع معايير واضحة أمام المستثمرين
يشير القرار إلى أن البيئة الاستثمارية السورية تقوم على احترام الخصوصية السياسية والاجتماعية والثقافية للبلاد. قد يساعد ذلك على جذب مستثمرين ملتزمين بالقوانين المحلية ويقدرون أهمية احترام السيادة الوطنية، ما يعزز مناخ الثقة بين الدولة والقطاع الخاص المحلي والأجنبي.
سلبيات القرار
1. تأثير محتمل على ثقة المستثمرين
شركة “طلال أبو غزالة وشركاه” من الكيانات المعروفة إقليميًا ودوليًا في مجال التدقيق والاستشارات، وتتمتع بسمعة مهنية عالية. إيقاف نشاطها في سوريا قد يُفهم على أنه مؤشر على تقلبات في البيئة التنظيمية أو تدخلات سياسية محتملة، ما قد يدفع بعض المستثمرين إلى إعادة النظر في خططهم المستقبلية في السوق السورية.
2. التداعيات التشغيلية والاقتصادية
يوظف المكتب عددًا من السوريين، ويخدم قطاعًا واسعًا من العملاء المحليين والدوليين. تقليص نشاطه قد يؤدي إلى فقدان وظائف، ويؤثر على المؤسسات التي تعتمد على خدماته. كما أن تعيين إدارة مؤقتة قد يُضعف كفاءة التشغيل ويعقّد عمليات الشركة، خاصة في المهام المرتبطة بالتقارير والمراجعات الدولية.
3. الجدل حول حرية التعبير
رغم استناد القرار إلى مادة دستورية، إلا أن توقيته وسياقه قد يثيران تساؤلات بشأن حدود حرية التعبير في سوريا. بعض المراقبين قد يرون في القرار تقييدًا للرأي، لا سيما إذا لم تكن التصريحات المعنية تنطوي على تحريض أو تهديد مباشر للأمن الوطني. هذا الجدل قد يؤدي إلى انتقادات حقوقية دولية تضعف جهود الحكومة لإعادة الاندماج في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي.
4. تكاليف إدارية وتنفيذية إضافية
يستلزم تنفيذ القرار إجراءات تنظيمية ورقابية، تشمل تعيين محاسب قانوني، ومتابعة أعمال الشركة حتى نهاية السنة، إضافة إلى مخاطبة الصناديق والمؤسسات الدولية. هذه الإجراءات قد تستهلك وقتًا وجهدًا من مؤسسات الدولة، في وقت تتطلب فيه الأولويات الاقتصادية التركيز على جذب الاستثمار وتحسين الأداء المؤسسي.
التوازن بين السيادة والانفتاح الاقتصادي
قرار وزارة المالية يعكس مفترق طرق تحاول فيه الدولة الموازنة بين فرض القانون وحماية الهيبة الوطنية من جهة، وبين الحفاظ على مناخ استثماري جاذب ومرن من جهة أخرى.
وفي حين أن الحفاظ على السيادة ووحدة المجتمع يُعد أولوية لا جدال فيها، فإن التحدي الحقيقي يتمثل في صياغة آليات قانونية تضمن ذلك دون التأثير السلبي على ثقة المستثمرين أو على مبدأ حرية التعبير في الحدود المعقولة.
الخلاصة والتوصيات
قرار إيقاف تجديد ترخيص شركات طلال أبو غزالة في سوريا يحمل في طياته رسائل سياسية وقانونية واضحة، لكنه في الوقت ذاته يفتح نقاشًا مهمًا حول الشكل الأمثل للعلاقة بين الدولة والمستثمرين في المرحلة القادمة.
ولتحقيق المصلحة الوطنية والاقتصادية، يمكن التفكير في الحلول التالية:
- فتح قنوات حوار مع الشركة لتوضيح الموقف الرسمي ومطالبتها بتقديم توضيحات أو اعتذارات إن لزم الأمر، بدلًا من التوجه مباشرة إلى إجراءات الإيقاف.
- وضع مدونة سلوك للمستثمرين توضح الخطوط الحمراء بوضوح، بما يضمن التزامهم بالقوانين دون اللجوء لإجراءات مفاجئة.
- تحصين بيئة الاستثمار عبر سياسات شفافة وتواصل فعّال مع الشركات الدولية، لضمان أن تبقى سوريا بيئة واعدة للاستثمار لا يغيب عنها الاستقرار القانوني.
في النهاية، فإن الحفاظ على السيادة والكرامة الوطنية لا يتناقض بالضرورة مع تشجيع الاستثمار والانفتاح الاقتصادي، بل يتطلب إدارة متزنة للملفات الحساسة، ترتكز على الحوار، والوضوح، والالتزام بالقانون.


