المنتدى الاقتصادي السوري السعودي في دمشق: تحوّل استراتيجي في العلاقات الإقليمية

دمشق، 24 يوليو 2025
تحليل سياسي – اقتصادي – اجتماعي
مقدمة
شهدت العاصمة السورية دمشق اليوم انطلاقة المنتدى الاقتصادي السوري السعودي، بمشاركة واسعة من مسؤولين رفيعي المستوى ورجال أعمال ومستثمرين من كلا البلدين. لا يُعد هذا الحدث مجرد منتدى اقتصادي اعتيادي، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في العلاقات السورية السعودية، وانعكاسًا لتطورات جيوسياسية واقتصادية أوسع تشهدها المنطقة.
أولًا: الأبعاد الاقتصادية — عودة رأس المال الخليجي
المنتدى جاء تتويجًا لمسار متدرج من الانفتاح الاقتصادي بين سوريا والسعودية، ويهدف إلى إعادة إدماج الاقتصاد السوري في المحيط العربي، وتحديدًا الخليجي. من أبرز ما نوقش في المنتدى:
- إطلاق مشاريع استثمارية مشتركة في مجالات البنى التحتية، الطاقة، الزراعة، السياحة، والتطوير العقاري.
- اهتمام سعودي بالمدن الصناعية السورية، لا سيما في عدرا وحسياء، ضمن رؤية لجعل سوريا منصة صناعية ولوجستية تخدم السوق الإقليمية.
- بحث إمكانية تسهيلات مالية وتمويلات من صناديق سعودية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة داخل سوريا.
- دعوات لتفعيل خطوط التجارة والنقل وربط الموانئ السورية بالخليج العربي.
هذا التوجه يعكس رغبة واضحة في تحريك عجلة إعادة الإعمار، مع توفير فرص استثمارية حقيقية ذات عوائد مربحة للمستثمر السعودي، خصوصًا في ظل انخفاض كلفة التشغيل بسوريا مقارنة بالأسواق المجاورة.
ثانيًا: الأبعاد السياسية — بوادر إعادة التموضع الإقليمي
على الصعيد السياسي، يحمل المنتدى الاقتصادي أبعادًا دبلوماسية مهمة:
- تأكيد للتقارب السوري السعودي بعد قطيعة دامت أكثر من عقد، وعودة الحوار السياسي إلى مستويات عليا.
- إشارة إلى تحوّل في الاستراتيجية السعودية تجاه الملف السوري، من المواجهة إلى التعاون والتأثير الإيجابي.
- دعم غير مباشر من المنتدى لمبادرة “الحل السياسي الشامل” في سوريا، وإبراز دور الاقتصاد كأداة لتحقيق الاستقرار.
المنتدى جاء أيضًا بعد أسابيع من اللقاءات الدبلوماسية الرفيعة، ما يوحي بأن الملف الاقتصادي بات مدخلًا لتطبيع أوسع للعلاقات، وقد يكون مقدمة لدور سعودي أكبر في مستقبل التسوية السورية.
ثالثًا: الأبعاد الاجتماعية — الأمل بفرص عمل وتنمية محلية
من الناحية الاجتماعية، يُنظر إلى المنتدى بوصفه بارقة أمل لشرائح واسعة من السوريين:
- فرص عمل مباشرة وغير مباشرة نتيجة الاستثمارات الجديدة والمشاريع المشتركة.
- إمكانية نقل خبرات إدارية وتقنية من الشركات السعودية إلى الكوادر المحلية.
- دعم متوقع لبرامج التدريب والتأهيل المهني الموجهة لفئة الشباب.
- تعزيز الاستقرار المجتمعي من خلال تحريك العجلة الاقتصادية في مناطق متضررة من الحرب.
كما أن إعادة التواصل الشعبي والإنساني بين الشعبين تمثل بُعدًا عاطفيًا مهمًا، حيث تحتضن السعودية جالية سورية كبيرة، وتربط شعبي البلدين علاقات تاريخية متجذرة.
رابعًا: دلالات التوقيت والمكان
انعقاد المنتدى في دمشق وليس في عاصمة أخرى، وفي هذا التوقيت بالذات، يبعث برسائل قوية:
- اعتراف ضمني بشرعية الدولة السورية ومؤسساتها، بعد سنوات من العزلة.
- إشارة إلى أن السعودية تتبنى دورًا قياديًا في إعادة رسم المشهد الاقتصادي في سوريا.
- تأكيد على أن الملف السوري لم يعد حكرًا على القوى الدولية فقط، بل للعرب دور فاعل في رسم مستقبله.
خاتمة: من الاقتصاد إلى السياسة … بوابة أوسع للتكامل
المنتدى الاقتصادي السوري السعودي في دمشق ليس حدثًا عابرًا، بل نقطة تحول قد تعيد تموضع سوريا في الخريطة الاقتصادية والسياسية للمنطقة. وبينما لا تزال التحديات قائمة، فإن المؤشرات الإيجابية المتولدة عن هذا المنتدى قد تشكل نواة مرحلة جديدة من التعاون العربي – العربي، قوامها الاحترام المتبادل، ومصالح الشعوب، والتنمية المشتركة.
وفي هذا الإطار، تبرز بوابة الأعمال السورية كمنصة حيوية لمواكبة هذه التحولات، وتوفير محتوى احترافي وتحليلي يساهم في بناء بيئة اقتصادية سورية منفتحة، جاذبة، وآمنة.





